إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ
بين فترة ما قبل الاستعمار إلى ما بعد الاستعمار حدثت تغيرات جذرية, و من تلك الفترة إلى الآن كانت التغيرات أكثر جذرية على كل الأصعدة, و كل تلك التغيرات تبادلت التأثير لتغير معالم بعضها البعض , فكان الحديث في كل مرة عن تغير كلي لأحدى الظواهر و الثوابت في المجتمع, و في كل مرة يدخل شكل جديد من الألبسة الفاضحة تجد الكل يجادل بهذا الوافد الجديد على طريقته أحيانا بالنفي و الاستنكار و أحيانا أخرى باسم الحرية الشخصية, و هكذا كان النقاش الأخلاقي على قائمة المواضيع اليومية للمجتمع العربي المعاصر و مندسا بين سطور كل أشكال الحياة الاجتماعية و النشاطات اليومية لكل فرد و حتى أعلى مستويات علاقته بالمجتمع كنسيج إنساني
و بين الماضي و الحاضر تغيرت نضرة المجتمع للكثير من الأشياء,عدة محظورات باتت مستباحة و أخرى لا تزال محظورة لكن وجودها في سلوكيات و تفاعلات أفراد المجتمع بات أمرا مألوف و معتاد, و أشياء أخرى باتت تفرضها الضرورات, فقبل ثمانين سنة كان المجتمع المسلم, يرفض بمعظمه أن تخرج المرأة للعمل و أن ترتدي ثيابا غير الجلباب و اللحاف الطويل و كان يرفض قطعا علاقة فتاة بفتى دون عقد زواج أو أي شكل من أشكال الصحبة محرمة, لائحة الأشياء التي في الماضي كانت تنبذ أخذة في التناقص, كثير من ألأمور تغيرت إلى الإيجاب, فنضرة المجتمع إلى المرأة كعبده تلتزم البيت و تعنى بالشغال و محروم من كل وسائل الترفيه المشروعة, قد تغيرت صارت المرأة أكثر انفتاحا على العالم, إلا أن هذا التغير لم يقتصر على هذا النوع من التقدير للمرأة فقد خرجت ألأمور عن السيطرة, فبالغ المجتمع المعاصر في تقدير هذه الأخير بحيث أدى بها الأمر إلى أن تصبح منتوج تجاري و مرفق إعلاني مطلوب
و انساق منحى المطالب الاجتماعية إلى منحى متطرف و باتت مصطلحات و مفردات فكرية كالحرية الجنسية, و غيرها من المفاهيم المبنية على الجانب الغريزي من الإنسان شائعة و متداولة بكثرة, الأمر يبرز جانب من التطور السلبي للمفاهيم الأخلاقية و كيف يتجه المجتمع إلى إباحة الممنوعات عبر بلورة فكر اجتماعي يتملص من الثوابت و يتركها جانبا على سبيل الاستئناس لا غير, هذا التطور مستمر و يأتي نتيجتا لعدة عوامل جعلت المجتمع العربي و الإسلامي عامة يذوب في فكر التيارات التحررية التي تبدل جهدها الجهيد لتبرز أفكارها على حساب ما جاءت به نصوص الإسلام, هذه الأخيرة التي تتعرض لانتقاد لاذع من طرف الحركات العلمانية التي تدعوا نفسها بالتحررية, و حتى يكون واضحا شكل التحرر التي تدعوا إليه فانه مبني بالأساس على حرية الاعتقاد و هي أن تؤمن بما تشاء أيا ما تؤمن به, و الحرية الجنسية و تتمثل في حقك في أن تمارس هذه الحرية مع من تشاء و كيف ما تشاء دون قيد, و هذان الموضوعان هما أكثر ما يجعل هذه الحركات تبدوا مثير للجدل,و لائحة النقاط الفكرية التي يبنون عليها فكرهم تزداد شيئا فشيء لتغنم من الجانب الأخلاقي و تتوسع على حسابه
هنا تجد أن جانبا من المجتمع فتح جبهة صراع إيديولوجي على ما كان يعتبر رزمة قواعد أخلاقية تأطر لحياة الأفراد و تقابلها تيارات تتشبث بتلك القواعد و ترفض التخلي عنها و تجد انه من الإجرام تحريفها إلى محتوى مضاد, و بعدما كان الشيء محرم داخلها يصير حسب التحرريين أمرا مشروع, هذا على مستوى المنظمات الفكرية,و في الشارع أمر أخر فجانب منه ينشئ أطفالا لم يتلقوا أي شكل من أشكال المبادئ و الأخلاق تخرجوا في نهاية المطاف بشرا مجردين من المشاعر الأخلاقية مجرمين غارقين في صراع عصابات الشوارع, دور الدعارة تعد مضاجعهم الليلية و جلهم أميون لم ترى أعينهم يوما المدرسة , هنا يبرز الجانب المتوحش من المجتمع بصيغته الصريحة, و غير المتوارية خلف المظاهر, لأن هناك تجسيدا أخرا لهذا التطرف لكن خلف البدلات الراقية و أناقة الماركات العالمية, في الغالب رجال ببطون منتفخة و بقبعات نظامية يوجهون أوامر على هواهم و يستغلون أقلامهم ليوقعوا على أوراق من يدفع أكثر و من يفتح لهم أبوابا نحو مصالحهم, و هنا يمارس عنف نفسي على من يحتل مراتب ادني من هرم السلطة و الذي هم على رأسه, عنف يجابه بتمرد من المجتمع على صانعي القرار و القصة في خلاصتها هي أزمة أخلاق متبادلة... مجتمع منحل غارق في اللذات و مشاغل الجسد, و سلطة تستغل رغبته الجامحة في تحقيق نزواته و تسأله المقابل لتملئ به خزينتها , هنا الحديث عن تراخيص دور الدعارة و تراخيص الملاهي الليلية و المراقص و متاجر الخمور و تراخيص زراعة القنب الهندي بشمال المغرب و بلبنان و غيرها و هلم جرا من المواضيع التي كانت محط انتقاد للتيار الذي يتبنى أطروحة الأخلاق, هنا تتراجع هذه التيارات لأنها تجابه الكل, إنها تجابه النظام برجاله الكثر و تواجه مافيا المخدرات, و المجتمع ذاته فهو يوافق على الأمر في كثير من الأحيان و لا يستشعر الخطأ إلا حينما يكتشف انه تعرض للاستغلال و انه يخضع لسلطتهم و كل مسلك يسلكه فانه بموافقتهم ما دام لا يؤثر على مصالحهم, لكن حينما تتعدى ذالك فإنهم يفاجئونك بإنزال و موكب من الرجال ذوي القبعات
و في داخل المجتمعات تغيرت كل المعطيات الأخلاقية صار للماديات وقع اكبر على مبادئ الأفراد, و ردات فعلهم, فنضرتهم لمن يرتدي القميص المتواضع ليست كالنضرة إلى من يرتدي لباسا فاخر, إذ تطفوا الشكلية على السطح و تأثر على كل نواح الحياة, العملية و المعيشية, فالجاذبية يتهافت عليها الفتيان و الفتيات, بقصد التبرج و التفاخر, و تغير بذالك التعريف الذي يعطى للباس من وسيلة للستر و الجمالية إلى سلاح في معركة المظاهر و النزاع البصري بين الأفراد, تحول إلى فخ لإيقاع الضحايا و الاختباء خلفها عن حقيقة الواقع
بقلم محمد وحيدة
بقلم محمد وحيدة
إرسال تعليق
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ