من
الملحوظ درجة التغير التي وصلت إليها حالة البنية اللغوية, فإلى جانب التغير من
الناحية اللفظية تغيرت المعاني أيضا, و استعمالها تطرف في كثير من الأحيان, فكان
من المعلوم أن الخلفية الثقافية الإسلامية
تحرص بشكل كبير على تأطير هذا الجانب بالسلوك الحسن, و القول المضبوط و المحتشم, إلا أن المجتمع يتجه إلى إهمال كل
تلك القواعد الأخلاقية و تناسيها.
فكانت
النتيجة, ما وصلنا إليه من ممارسة لغوية منحطة, فلكثير من المرات كنت أمر بالشارع,
لتلقى إلى مسامعي, ألفاظ نابية لبثه, من الكبار و الصغار, دون أي أحساس بالذنب, إن
لم نكن نحن من يستعملها, و أنا متأكد أن كل مواطن من العالم الإسلامي قد سمع بعض
من ذالك. و الكثيرون يستعملونها في معاملاتهم اليومية, فالأمر تحول إلى ظاهرة تشوه
صورة الخطاب الاجتماعي بالعالم العربي و الإسلامي.
فيتمثل
هذا التدنيس بالأساس في المعاملات اللغوية الغير المحتشمة, كالخطابات الثنائية آو
الجماعية التي تستعمل فيها المعاني النابية, و في السب و النعل و غيرها, و من
المعلوم أن هذه اللغة تستعمل للإطاحة بكرامة المخاطب و تحمل في كثير من الأحيان طابع
جنسي, فيسب المرء و يتهم بكونه ابن زنى, أو ابن زانية أو شاد و ما إلى ذالك للضرب
في أغلى ما يملكه الإنسان و هو الكرامة, فتسب الأم الكريمة و يسب جزء منها كنقطة
حساسة و هو عورتها , و في كل مرة يرغب الخصم في الإطاحة من قيمة احدهم فغالبا ما
تكون الأم أول ما يفكر في سبه و يتهمها ظلما بالرذيلة.
فتعددت
أشكال التراشق اللفظي و الخصومة حتى وصل الأمر إلى أن يسب الدين و المبادئ الدينية
, باعتبارها حرمات خطيرة , فمن أول ما صار العرب يسبون به , ينعل دين أمك و أبوك,
و استغفر لله العلي العظيم من هذا القول,و بل يسب الرب جل و علا, و لو أني لم
اسمعهم ما صدقت,في الجزائر و في شرق المغرب , بعتبار اعشيش هناك , و انفس الشيئ بالعديد من الدول العربية, من الملحوظ هذا الأمر,و في تغييب لكل
نواهي الإسلام , تسب العقيدة و تسب حرمات الإسلام من المسلمين أنفسهم, و تحلل
الوازع الأخلاقي فصاروا يتراشقون بالظلم, حتى غدت الأمة كالرجل الهرم المريض,
ببنية اجتماعية ضعيفة, و غياب الأخلاقية و تراجعها.
و كان ما
وصلت إليه حالة الأخلاق هذه أمرا طبيعيا لفشل مؤسسة البيت و المجتمع, ففي الكثير
من بيوت مجتمعاتنا, يخاطب أفراد العائلة بعضهم بعضا بحديث نابي, على مرأى و مسمع
من الناشئة, شخصيا رأيت أباءا يعاملون أطفالهم بنفس الشكل, و طبيعي أن ترى الأطفال
بدورهم يتعاملون مع وسطهم الاجتماعي بنفس الطريقة, فيتبادلون التأثير مع بعضهم
البعض, لتنموا الظاهرة إلى اكبر من ذالك مع السنوات,فالفشل في مؤسسة المجتمع سبب,
و بالموازاة مع ذالك هناك إهمال للوازع الديني الذي يعتبر احد ركائز و منابع
الايدولوجيا الأخلاقية, خصوصا مع كونه احد مصادر الدعوى إلى الإحسان و الحسنى, و
الكلمة الطيبة, و انه مشبع بثقافة و فكر الأخلاق و المسؤولية في كل النواحي و حتى
اللغة أكيد, و كونه مرجع مليء بالأمثلة عن التعامل اللغوي المثالي من السنة
النبوية , و من القران الكريم.
و نعلم من
حديث النبي عليه الصلاة و السلام أن كلمة واحدة, قد تهوي بالمرء سبعين خريفا في النار,
و العياذ بالله و الأمر نفسه بالنسبة للكلمة الطيبة, فهي برفع درجة المرء إلى
منزلة رفيعة, فالكلمة الطيبة قد تفتح في القلب طريقا, و كفيلة بنشر المودة و
الأجواء الحبية بين الأفراد.