من أهم المنهجيات التي يمكن أن نجعل ظاهرة ما تدخل المجتمع و تترسخ به , هي أن نجعل الأمر يبدو طبيعيا و جزءا من ثقافة هذا المجتمع, هذا ما نسميه التطبيع, و هو ما يحدث لكثير من المستجدات الوافدة على مجتمعاتنا و التي كانت غريبة عليه و مرفوضة , تبعا لمنطق الأخلاق الذي يؤمن به مجتمعنا, و لكون تلك الظواهر المستحدث مخالفة لنقطة من نقاط أو ثوابت الشريعة الإسلامية أو لعرف من الأعراف التي توارثتها أجيال متتابعة
و عن طريق العديد من الوسائط و الطرق, الإعلامية و الاقتصادية, تمكنت عدة قوى دولية و إقليمية من أن تضع لها موطئ قدم.و تفرض سيطرتها على العالم الإسلامي, و أن تجعله خاضعا لسيطرتها و في دائم الحاجة لها, الأمر خولها أن تدخل سلعها إلى هذه السوق التي بدون شك توسع من حجم تجارتها و ستجعلهم مرهونين بما تقدمه مقابل مصالحهم , و التي صاروا غير قادرين على العيش من دونها و بما أن أي نضام اجتماعي يتأثر ببيئته الاقتصادية, و هذا عبر نماذج تاريخية, فقد أسقطت الوضعية الاقتصادية على الطبيعة الاجتماعية للمجتمع ليتمخص عن الأمر تغلغل متدرج للثقافة الغربية بداخل المجتمع المسلم, فتوالت الظواهر , صيحات المودى المتعرية, و المجموعات التحررية و الداعية إلى حرية جنسية و إعطاء المثليين حقوقهم و عدم اعتبارهم خارجين عن المألوف, و غيرها من أشكال الممارسات المخالفة للعرف الأخلاقي, تحت لواء التحرر
و مع توالي الأعوام أخدت أعداد تلك الحركات و الظواهر تنموا , و نتيجتا لضغطها السياسي و الاجتماعي فرضت وجودها على المجتمع, لأنها لم تجد مجابها كما يلزم, فأخذت تنتشر و تدافع عن هدفها أللذي تصفه بالتحرري و تحاول ما أمكن إبرازه من جانب كونه أمرا طبيعي و لا علاقة للأخلاق به, و على هذه النقطة توازن توجهها
بالمغرب سنة 2013 بمدينة الناظور انتشرت صور لما يعرف بقبلة الناظور, صور يظهر فيها مراهق يقبل عشيقته المراهقة و التي قامت بنشرها على موقع التواصل, تدخلت السلطة لتعتقل المراهقين و تحيلهما على المصالح الأمنية, بعد ذالك برز حراك يتضامن مع هاذين المراهقين و كالعادة بدعوى التحرر, و حرية الممارسة الجسدية, و يطالبوا بالإفراج عن هاذين المراهقين,لكن المهم ليس ما قلته لحد ألان, و إنما الطريقة التي حاولوا من خلالها الاحتجاج عن الأمر, بحيث اجتمعوا بساحة عمومية بتاريخ محددة , فتيات و فتيان ليقوموا بما أسموه قبلة علنية جماعية, فحدث أن تبادلوا القبل و الأمر معروض في شريط فيديو على الويب و على ما اعتقد فان الأمر حدث بمدينة الدار البيضاء, فهنا كانت فكرتهم أن يبرزوا, للجمهور أن ما قام به المراهقان أمر بريء و عادي,و أن يتم تبادل القبل بين فتيات و فتيان دون أي شكل من أشكال العلاقات المشروعة ,أمر يحاولون بتلك الطرق إدخاله إلى البيوت المحافظة, و جعله جزءا من ثقافتنا عبر مراكمة مشاهد متوالية عنه كشكل من أشكال تطبيع الانحلال الأخلاقي
فنفس الشيء حدث بالمجتمعات الغربية,حيث كانت الرذيلة و غيرها من مظاهر ألتخلف الخلقي محرمة و مرفوضة و هذا حسب المعتقد المسيحي و اليهودي و العرف الاجتماعي بالمجتمعات الغربية السابقة, فحدث أن دخلت أفكار المتمردة على هذه الأعراف, و تدعوا بنفس الطريقة إلى الحرية, و غيرها من العبارات التي استعملت في تمرير هذا الأمر على غرار الحرية الجنسية و الحرية الفكرية و حرية التعبير و هلم جرا , على غيرها من عبارات التحرر, فكان الأمر يحدث في ثلاث مراحل , مرحلة التمرد و بناء الفكر التمردي آو ما يسمونه التحرر, و هي المرحلة التي برزت فيها حركات تحررية في بدايتها و قامت من خلال مواجهة اجتماعية و سياسة , أقحمت فيها أفكارها للواجهة, و أدخلتها للمجتمع و مهدت من خلالها لمرحلة التطبيع
ففي مرحلة التطبيع, برزت هذه الأفكار و التوجهات بوضوح, ليست جاهزة تماما لكن معالمها معروفة, بحيث أن هذه المرحلة المحورية تعتبر النقطة الفاصلة بين وضعية مجتمع يرفض ظواهر أخلاقية معينة و مجتمع يقبلها و يعتبرها مشروعة و تنتمي إليه, و فيها يتم التطبيع و بأشكاله الاقتصادية و الفكرية, فتكون النتيجة المنطقية هي مرحلة ثالثة و هي مرحلة السيطرة

إرسال تعليق
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ