حتى امد قريب لم يكن من الممكن للمواطن المغربي ان يرى امرأة بدون لحاف تتجول في الشارع منفردة, و لم يكن من المقبول ان ترى رجل ثمل في العلن و لم يكن من الممكن ان ترى الكثير من المشاهد التي صارت في يومنا هذا معتادة انه التحول الذي يحق لي ان اتهم الحداثة و العصرنة بالتسبب فيه احتاجت هذه العناصر إلى الزمن لتتبلور في الأعوام السابقة و لينتهي بها المطاف على ما هي عليه, و ليس من العيب ان يحدث التغير لكن السلبي ان تكون نتيجة التغير سلبية و تتنافى مع ما يمكن أن تصفه بأنه أمر صائب و تقليد أخلاقي, لكن هذا لم يحدث فالواقع هو أن الكثير من القيم اختفت و اختفت مع نتائجها الايجابية على المجتمع اختفت صلة الرحم و أواصر القرابة و التعاضد و التعاون و بقي منها الشيء القليل هذا سلبي و المسئول كما سبق و اتهمته الحداثة أو العصرنة .
سيقول قائل اتهامك باطل الحداثة ليست إلا تقدم علمي و رخاء اقتصادي و تفوق في التقنية بشكل أساسي ثم إن القيم ليست رهينة بهذه الأخيرة و أن القيم هي أمر داخلي في نفس كل إنسان , نعم ذالك حق لكن هل حقا شبكة الانترنت بريئة من بعد الانعكاسات الأخلاقية على المجتمع ,هل حقا التلفزيون لا يينقل إلينا بعض مشاهد سوئ التعاطي مع أخلاقيات المجتمع, لا ارغب في أن أبرئ هذه الأخيرة من بعض ما تسببت فيه لأني اعتقد أن لها الشيء الكثير من التأثير الذي انعكس على سلوك المجتمع, و في حديثي عن مسئولية التلفزيون و شبكة الانترنت و غيره من وسائل الحداثة ارغب في الإشارة إلى نقطة مركزية , لا اتهم التلفزيون و الوسائل التقنية إنما من يقف خلفها و يخرج أفلامها و يصمم مشاهدها انه العنصر الشرير من المجتمع الذي وقعت هذه الوسائل القوية في يده الذي يتحكم فيها و يحرر كل خططها هذا الأخير, أو هذا الجزء من المجتمع الذي يستورد أفكار الغرب و نمط عيشه و يطبقه في المنتجات الإعلامية التي يبثها , سيكولوجيا المجتمع سيبني نمط عيشه أيضا بناءا على ما يتأثر به و هذه العوامل التي سبق و ذكرتها قادرة و بشكل قوي على أن تقوم بغسل دماغ المجتمع.
من ناحية أخرى هناك إغراءات و مطالب المجتمع بدورها و التي تنساق إلى جانب التيار الذي أحب ان اسميه المعادي للقيم و التي تتخذ من فلسفة الحرية أساس فكررها و تدعوا الى تحرر الممارسة المجتمعية و أن يمارس كل فرد من المجتمع حريته كما يحلوا له و ان يهمل القيم الكلاسيكية التي تقيد هذه الحرية و تتجابه معها , خلاصة الأمر إن هذه الأفكار ستتجاذب فيما بينها و ستدخل في دوامة صراع من اجل البقاء , أي فكر سيبقى و اي فكر سيسود على الأخر إلى ذالك الحين ستبقى اليم رهينة الحداثة و كيف ستغيرها , و هذا واقع لا محالة.
فأتساءل عن المستقبل و التغير الذي سيصل إليه و إذا ما أسقطنا درجة التغير التي نعيشها حاليا على الصيرورة التي سأتوقع وصول المستقبل اليها فان التغير سيزيح اغلب معالم الثقافة الحالية سينهال على أخلاقياتنا الراهنة و سيضعها في أرشيف التاريخ للاستئناس بها و الحديث عنها كتراث و مخلفات الأجداد التي تتنافا ممع قيم المستقبل الجديد, في المستقبل الجديد سيكون لحرية الممارسة النصيب الأكبر من الكعكة على حساب الأخلاقيات, و ستغيب الكثير من التشريعات و القوانين التي تستمد فلسفتها من الدين بل يجب القول ان كل ما يربط الدين بالتشريع و القانون سيختفي , ستتحقق بذالك أحلام العلمانيين و سيحققون أهدافهم في غياب منافسيهم و خصومهم الدينيين , هل هذا المستقبل الجديد سيكون ساحة الادينيين , و سيصبح الديني من الأقلية و العلماني العنصر السائد و هنا السؤال اي منهما محق لنقف الى جانبه, لا داعي للدخول في دوامةة الصراع عن الأحقية في الساحة السياسية, فهذا جانب أخر هنا في معرض حديثي تحدتث كثيرا عن الأخلاق , و أتوقع لها مستقبلا اسود في ضل الحداثة و كل ذالك سيكون تحت طائلة ظلام الدعوة الى الحرية, من الجرم ان ترتكب الحرب على الأخلاقيات بدعوى الحرية بل أن الحرية لها معنى دقيق و محدودة ككل الحقوق التي يملكها الانسان , و اغلب الحقوق التي للإنسان الحق فيها تنتهي عند حقوق الإنسان الأخر , كالحرية مثلا تنتهي حريتك عند المساس بحرية الأخر, و الأخلاقيات بعجالة ستكون ضحية نقاش الحرية هذه بشكل رئيسي.
اطلالة اخلاقية على مجتمعنا
إرسال تعليق
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ